وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَالِارْتِدَادُ مِنْهُمْ وَاقِعٌ مَعًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ. وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ مَعًا فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لِإِصْرَارِ الْآخَرِ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ كَابْتِدَائِهَا. .
وَبَعَثَ إلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْجُيُوشَ فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرَةٌ فَحِلُّ ذَلِكَ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ. فَإِنْ قِيلَ: الِارْتِدَادُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ دَفْعَةً. أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَالِارْتِدَادُ وَاقِعٌ مِنْهُمْ مَعًا حُكْمًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ)، فَإِنَّ التَّارِيخَ إذَا جُهِلَ لَمْ يُحْكَمْ بِتَقَدُّمِ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ وُجِدَ جُمْلَةً وَاحِدَةً (وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ) أَيْ: بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا (فَسَدَ النِّكَاحُ لِإِصْرَارِ الْآخَرِ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ كَابْتِدَائِهَا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ جَانِبِهَا بِالْإِصْرَارِ عَلَى الرِّدَّةِ فَإِنَّ الْإِصْرَارَ بَعْدَ إسْلَامِ الْآخَرِ كَإِنْشَاءِ الرِّدَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute