وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ اللَّبَنِ مِنْهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. .
(وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ فَهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ (وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضَعَةَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ)؛ لِأَنَّهُ أَخُوهَا
لَبَنِ الْفَحْلِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ اللَّبَنِ مِنْهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا. فَإِنْ قِيلَ: مَا قَامَ مَقَامَ الشَّيْءِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ لَا مَحَالَةَ، وَهَاهُنَا لَوْ ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ مِنْ ثُنْدُوَةِ الرَّجُلِ نَفْسِهِ إذَا نَزَلَ مِنْهُ اللَّبَنُ لَا يَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِارْتِضَاعِ اللَّبَنِ بِسَبَبِهِ وَلَا تَثْبُتُ مِنْ اللَّبَنِ الْحَاصِلِ مِنْ نَفْسِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ افْتِرَاقَ الْحُكْمِ لِافْتِرَاقِ الْوَصْفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ لَا يُوجَدُ فِي إرْضَاعِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ مَا يَنْزِلُ مِنْ ثُنْدُوَةِ الرَّجُلِ لَا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ إنْبَاتُ اللَّحْمِ، وَهُوَ نَظِيرُ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَهِيَ مُلْبِسَةٌ فَإِنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَنْزِلُ مِنْ ثُنْدُوَتِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ أَوْ الْحَمْلِ مِنْ زَوْجِهَا، حَتَّى لَوْ نَزَلَ لَهَا اللَّبَنُ بِدُونِهِمَا كَمَا يَنْزِلُ لِلْبِكْرِ كَانَ ذَلِكَ لَبَنَ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لَا لَبَنَ الْفَحْلِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ تَحْتَ زَوْجِهَا. وَلَيْسَ حِلُّ الْوَطْءِ فِي الْإِحْبَالِ شَرْطَ الْحُرْمَةِ حَتَّى لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهَذَا اللَّبَنِ صَبِيَّةً كَانَ لَبَنُ الْفَحْلِ لَا يَحِلُّ لِلزَّانِي هَذَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا لِأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ لِوُجُودِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الزَّانِي. وَقَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ) وَاضِحٌ.
صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُ: (وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا) غَلَّبَ الصَّبِيَّ عَلَى الصَّبِيَّةِ كَمَا فِي الْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ: أَيْ: ثَدْيِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى ضَرْعِ بَهِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ كَمَا سَيَجِيءُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِلَبَنِ الْآدَمِيَّةِ دُونَ الْأَنْعَامِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضَعَةُ أَحَدًا مِنْ وُلْدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُرْضَعَةُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute