وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي النَّفَقَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَالْأَبُ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ بِنَفْسِهَا، وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَةَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ. إذَا جَازَ بَيْعُ الْأَبِ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِنَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (وَإِنْ كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ فِي يَدِ أَبَوَيْهِ وَأَنْفَقَا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَقَدْ أَخَذَا جِنْسَ الْحَقِّ
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي النَّفَقَةِ) مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْأَقْضِيَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْأَبَوَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَقْضِيَةِ وَالْقُدُورِيِّ تَمْلِكُ الْأُمُّ الْبَيْعَ كَالْأَبِ لِأَنَّ مَعْنَى الْوِلَادَةِ يَجْمَعُهُمَا وَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى السَّوَاءِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَالْقُدُورِيِّ مُؤَوَّلًا بِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ لَكِنْ لِمَنْفَعَتِهِمَا، فَأَضَافَ الْبَيْعَ إلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ مَنْفَعَةَ الْبَيْعِ تَعُودُ إلَيْهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ.
وَقَوْلُهُ (إنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ، لَكِنْ الْفَرْضُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ لِنَفَقَتِهِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ أَنْ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْبَيْعَ لِلْحِفْظِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهُ لِلْحِفْظِ حَقِيقَةً فَبِقَصْدِهِ الْإِنْفَاقَ لَا تَتَغَيَّرُ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ، إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْعَزِيمَةِ فِي تَغْيِيرِ الْحَقِيقَةِ. لَا يُقَالُ: عَارَضَ جِهَةُ الْحِفْظِ جِهَةَ الْإِتْلَافِ بِالِاتِّفَاقِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْإِتْلَافُ بَعْدَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَفِي الْحَالِ لَمْ تَجِبْ فَلَا تَعَارُضَ. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute