(يَعْتِقُ كُلُّهُ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ﵀، فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْتِقُ كُلُّهُ. لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ، أَوْ هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ. وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ
وَقَالَا: يَعْتِقُ كُلُّهُ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ وَاحِدًا أَوْ مُوسِرًا إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَمِلْكُ السَّاكِتِ بَاقٍ كَمَا كَانَ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَهَبَ عَلَى مَا يَجِيءُ، وَكُلُّ مَا لَا يَتَجَزَّأُ (فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْتِقُ كُلُّهُ) قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ: الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِنَا الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ لَيْسَ هُوَ أَنَّ ذَاتِ الْقَوْلِ يَتَجَزَّأُ أَوْ حُكْمَهُ يَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ مُحَالٌ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَحَلَّ فِي قَبُولِ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ يَتَجَزَّأُ فَيُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ هَلْ يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْ الْمَحَلِّ كُلِّهِ أَمْ لَا؟ عِنْدَهُ لَا يُوجِبُ بَلْ يَبْقَى كُلُّ الْمَحَلِّ رَقِيقًا وَلَكِنْ زَالَ الْمِلْكُ بِقَدْرِهِ.
وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْ الْكُلِّ (لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا الَّذِي هُوَ الرِّقُّ) لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا، فَإِزَالَةُ أَحَدِهِمَا تُوجِبُ إثْبَاتَ الْآخَرِ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَلِكَ الْإِعْتَاقُ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ أَوْ تَجَزِّي الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ إذَا تَجَزَّأَ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ عِتْقُ كُلِّ الرَّقَبَةِ أَوْ لَا يَثْبُتَ شَيْءٌ أَوْ يَثْبُتَ بَعْضُهُ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ يَلْزَمُ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْأَخِيرِ يَلْزَمُ تَجَزِّي الْعِتْقِ (فَصَارَ) الْإِعْتَاقُ (كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ) فِي عَدَمِ التَّجَزُّؤِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إسْقَاطٌ كَالطَّلَاقِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ هَاهُنَا إثْبَاتًا لِلْعِتْقِ.
قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ غَلَّبَ جِهَتَهُمَا عَلَى جِهَتِهِ فَقَالَ لَهُمْ إنَّ الْإِعْتَاقَ إلَخْ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ) وَهُوَ الْوَصْفُ الشَّرْعِيُّ الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ (أَوْ هُوَ) أَيْ الْإِعْتَاقُ (إزَالَةُ الْمِلْكِ) لَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ وَلَا هُوَ إزَالَةُ الرِّقِّ لِيَلْزَمَ عَدَمُ التَّجَزُّؤِ (لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْمُعْتِقِ (وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَمَّا اسْتَنْكَفَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ جَازَاهُ اللَّهُ فَصَيَّرَهُ عَبْدَ عَبْدِهِ (أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ) لِأَنَّ الْغَانِمِينَ كَمَا يَقْتَسِمُونَ غَيْرَ الرَّقِيقِ يَقْتَسِمُونَهُ (وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ) وَهَذَا كَمَا تَرَى بِنَاءً لِكَلَامِهِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِإِفَادَةِ الْمَطْلُوبِ، وَتَقْرِيرُهُ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ مُتَجَزٍّ فَالْإِعْتَاقُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ لَا بِإِزَالَةِ الرِّقِّ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ تَصَرُّفٌ لَا يَتَعَدَّى وِلَايَةَ الْمُتَصَرِّفِ فَالْإِعْتَاقُ لَا يَتَعَدَّى وِلَايَةَ الْمُتَصَرِّفِ، وَوِلَايَةُ الْمُتَصَرِّفِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّهُ وَحَقُّهُ الْمِلْكُ فَوِلَايَتُهُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمِلْكِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمِلْكَ مُتَجَزٍّ فَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute