يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعِ الْإِضَافَةِ وَالتَّعَدِّي إلَى مَا وَرَاءَهُ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَالْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِيَّةِ فِي كُلِّهِ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ، فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا إذْ هُوَ مَالِكُ يَدٍ إلَّا رَقَبَةً، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ. وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا إلَى أَحَدٍ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُقَالُ
لَكِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزٍّ وَهُوَ الْعِتْقُ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْزِئَتَهُ وَلَا تَجْزِئَةَ عِلَّتِهِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزٍّ تَعَلَّقَ بِمُتَجَزٍّ وَهُوَ الْأَرْكَانُ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزٍّ تَعَلَّقَ بِمُتَجَزٍّ وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَمْ يَسْتَلْزِمْ تَجْزِئَتَهَا وَلَا عِلَّتَهَا وَهِيَ إرَادَةُ الصَّلَاةِ.
هَذَا تَقْرِيرُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. وَتَقْرِيرُ الْآخَرِ: الْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ مُتَجَزٍّ، فَالْإِعْتَاقُ إزَالَةُ مُتَجَزٍّ وَإِزَالَةُ الْمُتَجَزِّئِ مُتَجَزٍّ. وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا أَسْهَلُ مَأْخَذًا، ثُمَّ إذَا تَجَزَّى الْإِعْتَاقُ بِزَوَالِ بَعْضِ الْمِلْكِ احْتَبَسَ مَالِيَّةُ نِصْفِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ (وَالْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (لِأَنَّ الْإِضَافَةَ) أَيْ إضَافَةَ الْإِعْتَاقِ (إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ) لِلْعَبْدِ (فِي الْكُلِّ) بِاعْتِبَارِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ (وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ) عَنْ ثُبُوتِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ مَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْكُلِّ وَمَا يُوجِبُ بَقَاءَ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ، وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ مُمْكِنٌ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا فَعَمِلْنَا بِهِمَا وَجَعَلْنَاهُ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ يَدًا وَمَمْلُوكٌ رَقَبَةً كَالْمُسْتَسْعَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذْ هُوَ أَيْ مُعْتَقُ الْبَعْضِ مَالِكٌ يَدًا لِأَجْلِ السِّعَايَةِ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً كَالْمُكَاتَبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ مَالِكِيَّتِهِ فِي الْكُلِّ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقُلْنَا إنَّهُ حُرٌّ يَدًا مَمْلُوكٌ رَقَبَةً كَالْمُكَاتَبِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ كَانَتْ السِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ (فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَعَادَ رَقِيقًا إذَا عَجَزَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ رَقِيقًا لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا إلَى أَحَدٍ) وَالْإِسْقَاطُ لَا إلَى أَحَدٍ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا أَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ (بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ) فَإِنَّهَا إسْقَاطٌ مِنْ الْمَوْلَى إلَى الْمُكَاتَبِ إقْدَارًا عَلَى تَحْصِيلِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَيُقَالُ وَيُفْسَخُ، وَفِي بَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute