فِي التَّخْفِيفِ، بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ.
قُلْنَا: الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ قَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَزُفَرُ ﵀ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ ﵀ فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَوَافَقَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ وَرَأَى الْبَلْوَى أَفْتَى بِأَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ لَا يَمْنَعُ أَيْضًا وَقَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى، وَعِنْدَ ذَلِكَ رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ يُرْوَى.
(وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ) لِأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ مُخَفَّفٌ نَجَاسَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀ وَلَحْمُهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا
النَّجَاسَةَ عَنْ كَوْنِهَا مُغَلَّظَةً؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِخِلَافِهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ بِنَاءً عَلَى الرَّأْيِ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ، وَكَذَلِكَ الْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَلْوَى فِي بَوْلِ الْحِمَارِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَشَّشُ فَيُصِيبُ الثِّيَابَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُعْفَى أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَكَذَلِكَ بَوْلُ الْآدَمِيِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بِالنَّجَاسَةِ لَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِخِفَّةِ نَجَاسَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ بِقَوْلِهِ ﷺ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» الْحَدِيثَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ لِلضَّرَرِ وَالْبَلْوَى بَلْ لِلتَّعَارُضِ بِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الضَّرُورَةُ فِي بَوْلِ الْحِمَارِ كَالضَّرُورَةِ فِي رَوْثِهِ وَقَدْ قُلْتُمْ بِتَغْلِيظِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ) فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ يُبْتَلَى بِهِ الْمَارُّ بِخِلَافِ الرَّوْثِ.
وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا هِيَ فِي النِّعَالِ، وَقَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا بِذَلِكَ التَّخْفِيفِ فَلَا يُخَفَّفُ فِي نَجَاسَتِهَا ثَانِيًا إلْحَاقًا لِلرَّوْثِ بِالْعَذِرَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ) عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ (وَزُفَرُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَوَافَقَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ) فَإِنَّهُ قَاسَ الْخَارِجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ بِالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ الْآخَرِ وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْبَوْلُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَوْنِهِ مَأْكُولَ اللَّحْمِ وَغَيْرَهُ فَكَذَا الْخَارِجُ مِنْ هَذَا السَّبِيلِ.
وَقَوْلُهُ: (وَعَنْ مُحَمَّدٍ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (قَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى) يَعْنِي قَالَ الْمَشَايِخُ لَا يَكُونُ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ مِنْهُ مَانِعًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِالْعَذِرَاتِ. (وَعِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الرَّيِّ (رُجُوعُهُ) عَنْ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ (فِي الْخُفِّ) أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ بِالْأَرْضِ (يُرْوَى).
قَالَ (وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَفْحُشَ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَرَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَصْلِهِ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ الْفَرَسَ مَأْكُولٌ عِنْدَهُمَا وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ حَتَّى يَفْحُشَ.
(وَ) طَاهِرٌ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ) وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ حَرَّمَ أَكْلَهُ وَجَعَلَ بَوْلَهُ نَجِسًا مُخَفَّفًا لِتَعَارُضِ الْآثَارِ وَهُوَ حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ وَقَدْ مَرَّ وَقَوْلُهُ: ﵊ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» الْحَدِيثَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا جُهِلَ التَّارِيخُ، وَفِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ