عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ التَّخْفِيفُ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ.
(وَإِنْ أَصَابَهُ خُرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀ لَا تَجُوزُ) فَقَدْ قِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمِقْدَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
دَلَالَةُ التَّقَدُّمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمُثْلَةَ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ. سَلَّمْنَا أَنَّ فِيهِمَا تَعَارُضًا، وَلَكِنَّهُ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْفَرَسُ غَيْرُ مَأْكُولٍ عِنْدَهُ وَالْكَرَاهَةُ فِيهِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَيَكُونُ بَوْلُهُ نَجِسًا مُغَلَّظًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّلَالَةَ دُونَ الْعِبَارَةِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَعَارُضٌ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْعِبَارَةِ وَتَحَقَّقَ التَّعَارُضُ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اشْتِمَالَ الْقِصَّةِ عَلَى الْمُثْلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ مَنْسُوخَةٌ فَلَا تَعَارُضَ، وَبِأَنَّ انْتِسَاخَ الْمُثْلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِ طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِسَاخِ أَحَدِهِمَا انْتِسَاخُ الْآخَرِ، وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ الدَّالَّ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ انْتَفَى التَّعَارُضُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ تَثْبُتْ نَجَاسَةُ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِقَوْلِهِ ﵊ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» عِنْدَهُ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَهُ لَمْ تَكُنْ لِنَجَاسَتِهِ بَلْ تَحَرُّزًا عَنْ تَقْلِيلِ مَادَّةِ الِاجْتِهَادِ فَكَانَ لَحْمُهُ طَاهِرًا عِنْدَهُ، وَلِهَذَا قَالَ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِانْقِطَاعُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ بَوْلَ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ عِنْدَهُ نَجِسٌ غَلِيظٌ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْحُرْمَةِ النَّجَاسَةَ، وَقَدْ عُرِفَ بُطْلَانُ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَلِصُعُوبَةِ التَّقَصِّي عَنْ عُهْدَةِ هَذَا الْمَقَامِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَعَارُضِ الْآثَارِ التَّعَارُضُ فِي لَحْمِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ». وَرُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ أَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» وَهَذَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ فِي بَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ فِي وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ كَبَوْلِ الْكَلْبِ وَالْحِمَارِ، الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ مَنْسُوخٌ كَمَا فِي الْحِمَارِ.
(وَإِنْ أَصَابَهُ خَرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ) كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْحِدَأَةِ (جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَجُوزُ فَقَدْ قِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَنَجِسٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَالنَّجْوِ (وَقَدْ قِيلَ فِي الْمِقْدَارِ) يَعْنِي أَنَّهُ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنَّهُ خَفِيفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ غَلِيظٌ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute