للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ جَعَلَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى لِوُجُودِهِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَالُ بُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ قَائِمٌ قَبْلَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ مَانِعٌ وَالْمَنْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ،

لِمَا ذُكِرَ فِي آخِرِ بَابِ الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَأَقُولُ قَوْلُهُ (ثُمَّ جَعْلُهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَعْلَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ عَلَى غَيْرِ الْأَوْلَى فَيَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ وَيَكُونُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ اخْتَارَ جَوَازَهُ بِاجْتِهَادِهِ وَجَعْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: فِي التَّدْبِيرِ تَعْلِيقٌ، وَلَيْسَ فِي التَّعْلِيقِ شَيْءٌ مِنْ السَّبَبِ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَمَا بَالُ التَّدْبِيرِ خَالَفَ سَائِرَ التَّعْلِيقَاتِ وَهُوَ مُؤَدَّى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ قَائِمٌ فِيهِ قَبْلَ الشَّرْطِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غُمُوضًا لَا يَنْكَشِفُ عَلَى وَجْهِ التَّحْصِيلِ إلَّا بِزِيَادَةِ بَيَانٍ فَلَا بُدَّ مِنْهَا، فَنَقُولُ: الْمَانِعُ هُوَ مَا يَنْتَفِي بِهِ الشَّيْءُ مَعَ قِيَامِ مُقْتَضِيهِ، وَكُلُّ مَا يُنَافِي اللَّازِمَ يُنَافِي الْمَلْزُومَ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا قُلْنَا الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ أَسْبَابًا فِي الْحَالِ لَكِنْ الْمَانِعُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ وَهُوَ صِفَةُ كَوْنِ تَصَرُّفِ التَّعْلِيقِ يَمِينًا قَائِمٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَانِعٌ عَنْ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ اللَّازِمِ لِلْحُكْمِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ، وَمَا كَانَ مَانِعًا عَنْ تَحَقُّقِ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ كَانَ مَانِعًا عَنْ تَحَقُّقِ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمَا كَانَ مَانِعًا لِلْحُكْمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ فَصِفَةُ كَوْنِ تَصَرُّفِ التَّعْلِيقِ يَمِينًا تَمْنَعُ عَنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَكُونُ الْيَمِينُ يُعْقَدُ لِلْحَمْلِ كَمَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْكُتُبِ أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ فَكَيْفَ قَالَ: وَالْمَنْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْحَصْرَ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ؟ قُلْت: لَا يُقْصَدُ بِالْيَمِينِ إلَّا مَنْعُ الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ فِيمَا ذَكَرْتُمْ هُوَ النَّفْيُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ الْحَمْلُ. فَإِنْ قُلْت: التَّدْبِيرُ يَمِينٌ أَوْ لَيْسَ بِيَمِينٍ، فَإِنْ كَانَ يَمِينًا وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِقِيَامِ الْمَانِعِ عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا لَمْ يَسْتَقِمْ قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ إذْ السَّائِرُ بِمَعْنَى الْبَاقِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>