وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِ مُبْتَدَإٍ، وَمَا فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ.
مَحْضَةٌ لَا تُنَاطُ بِهَا الْعِبَادَةُ لِمَا أَنَّ أَسْبَابَ الْعِبَادَاتِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ أُمُورًا مُبَاحَةً كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ الْغَمُوسُ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ) فَجَازَ أَنْ تُنَاطَ بِهَا الْعِبَادَةُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا لَمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُظَاهِرِ لِكَوْنِ الظِّهَارِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَهَذَا نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ. الثَّانِي لَمَّا وَجَبَتْ بِالْأَدْنَى وَجَبَتْ بِالْأَعْلَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى الثَّالِثِ الْكَبِيرَةُ سَيِّئَةٌ وَالْعِبَادَةُ حَسَنَةٌ وَاتِّبَاعُهَا إيَّاهَا مُبَاحٌ لَهَا لِقَوْلِهِ ﵊ «أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» وَهَاتَانِ مُعَارَضَتَانِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَجِبْ بِالظِّهَارِ بَلْ بِالْعَوْدِ الَّذِي هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَهُوَ مُبَاحٌ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ الْأَضْعَفِ بِشَيْءٍ رَفْعُ الْأَقْوَى بِهِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْحَسَنَةَ تَمْحُو السَّيِّئَةَ الْمُقَابِلَةَ لَهَا، وَمُقَابَلَةُ هَذِهِ الْحَسَنَةِ لِهَذِهِ السَّيِّئَةِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ الْمَظْنُونُ خِلَافُ الْمُقَابَلَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ " خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ " الْحَدِيثَ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُبَاحُ هُوَ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ ذَنْبٌ وَالْمُنْعَقِدَةُ فِيهَا ذَنْبٌ فَلَا تَكُونُ مُبَاحَةً فَلَا تُنَاطُ بِهَا الْعِبَادَةُ كَمَا ذَكَرْتُمْ. وَتَقْرِيرُهُ: لَوْ كَانَ فِي الْمُنْعَقِدَةِ ذَنْبٌ لَهَتَكَ حُرْمَةَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وَقْتِ الِانْعِقَادِ بِاخْتِيَارٍ مُبْتَدَإٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي السَّيِّئَةِ وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ الطَّرَيَانِ، بِخِلَافِ الْغَمُوسِ فَإِنَّ الذَّنْبَ فِيهَا لَازِمٌ لَا يُفَارِقُهُ لَا ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً (فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ) أَيْ إلْحَاقُ الْغَمُوسِ بِالْمُنْعَقِدَةِ. وَفِي هَذَا الْجَوَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute