وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ) لِمَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومًا. فَإِذَا كَانَ مُشَارًا إلَيْهَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا فَلَا حَاجَةَ إلَى مُعَرَّفٍ بِخِلَافِ الْمُنَكَّرِ فَإِنَّهُ لَا مُعَرِّفَ لَهُ سِوَى الْوَصْفِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الصِّفَةَ لَوْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الْمُنَكَّرِ لَمَا وَقَعَ الْمُشْتَرَاةُ لِلْمُوَكِّلِ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ دَارٍ فَاشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ وَهَذَا نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْمُسَمَّى أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ كَانَ دَاخِلًا وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْحَالُ بِالْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ فِي الدُّخُولِ كَالْعَرْصَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْحَالُ أَيْضًا فِي عَدَمِ الدُّخُولِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا لَا يَتَقَيَّدُ يَمِينُهُ بِرَجُلٍ قَاعِدٍ عَالِمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْهُ وَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّارَ فِي الْوَكَالَةِ تُعُرِّفَتْ بِوَجْهٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَائِهَا إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ وَالْمَحَلَّةِ وَلَيْسَتْ فِي الْيَمِينِ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ انْعِقَادِ الْوَكَالَةِ صِحَّةُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِلَا صِفَةٍ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْبِنَاءَ صِفَةٌ مُتَعَيِّنَةٌ لِلدَّارِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِحُكْمِ الْعُرْفِ لِتَعَيُّنِهِ وَفِي الرِّجَالِ التَّزَاحُمُ فِي الصِّفَاتِ ثَابِتٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالْقُدْرَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِأَسْرِهَا تَمْتَنِعُ إرَادَتُهَا عَادَةً، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فِي الْإِرَادَةِ فَتَمْتَنِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute