اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي قَالَ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَخَرَجَ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ وَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدَءًا.
(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ مَدْيُونٍ أَوْ غَيْرِ مَدْيُونٍ
حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِهِ ﵄ حِينَ دُعِيَا إلَى نُصْرَةِ رَجُلٍ فَحَلَفَا أَنْ لَا يَنْصُرَاهُ ثُمَّ نَصَرَاهُ وَلَمْ يَحْنَثَا، وَاعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ فَإِنَّ الْحَالِفَ فِي الْعَادَةِ يَقْصِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَنْعَهُمَا عَنْ الْخُرْجَةِ الَّتِي تَهَيَّأَتْ لَهَا إلَّا مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى التَّأْيِيدِ، فَإِذَا عَادَتْ فَقَدْ تَرَكَتْ تِلْكَ الْخُرْجَةَ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَتْ وَالْعُرْفُ لَهُ اعْتِبَارٌ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ؛ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ آخَرُ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ يَتَقَيَّدُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ اجْلِسْ تَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَلَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ يُجْعَلُ مُبْتَدِئًا لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الْجَوَابِ. فَفِي تَطْبِيقِهِ عَلَى السُّؤَالِ إلْغَاءُ الزِّيَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الزِّيَادَةُ لَا تَضُرُّ كَوْنُهُ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ فِي جَوَابِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ كَيْفَ زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الْجَوَابِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَصَايَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا. أُجِيبَ بِأَنَّ كَلِمَةَ " مَا " تُسْتَعْمَلُ لِلسُّؤَالِ عَنْ الذَّاتِ وَالسُّؤَالِ عَنْ الصِّفَاتِ، وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ السُّؤَالِ اشْتَبَهَ عَلَى مُوسَى ﵇ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ الذَّاتِ أَوْ الصِّفَةِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَكُونَ مُجِيبًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَلَاغَةِ قَالُوا: إنَّ " مَا " يُسْأَلُ بِهَا عَنْ وَصْفِ الْعُقَلَاءِ وَالْعَصَا لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةً سَلَّمْنَا، وَلَكِنْ الْأَفْعَالُ الْمُسْنَدَةُ إلَى مُوسَى ﵇ لَا تَكُونُ أَوْصَافًا؛ وَلَئِنْ كَانَتْ لَا تَكُونُ أَوْصَافًا لِلْعَصَا. وَأَقُولُ: الزِّيَادَةُ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ لَا تَصْرِفُهُ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا لَهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ كَلَامًا مُبْتَدَأً إذَا كَانَ ثَمَّةَ مَصْرِفٌ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ إعْمَالًا لِلزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذَلِكَ فَلَمْ يُصْرَفْ عَنْ كَوْنِهِ جَوَابًا يَلُوحُ إلَى هَذَا قَوْلُهُ فَيُجْعَلُ مُبْتَدِئًا.
(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ) الدَّابَّةُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا يَدِبُّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute