للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَحْنَثْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَحْنَثُ وَإِنَّ نَوَى لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمَوْلَى لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا، وَكَذَا شَرْعًا قَالَ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ» الْحَدِيثَ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا: يَحْنَثُ إذَا نَوَاهُ لِاخْتِلَالِ الْإِضَافَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ لِلسَّيِّدِ عِنْدَهُمَا.

أَيْ يَتَحَرَّكُ مَشْيًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ وَيَتَعَلَّقُ الرُّكُوبُ بِهَا بِعَيْنِ مَا يَرْكَبُ مِنْهَا مُرَادًا كَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ وَالْحِمَارِ وَالْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْفِيلِ فِي الْقِيَاسِ. وَاسْتَحْسَنَ الْعُلَمَاءُ فِي عَقْدِ الْيَمِينِ عَلَى مَا يُرْكَبُ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ وَهُوَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ ذَكَرَ مِنَّةَ الرُّكُوبِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ: فَأَمَّا فِي الْأَنْعَامِ فَقَدْ ذَكَرَ مَنْفَعَةَ الْأَكْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ الْآيَةَ، وَبِالْعُرْفِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ رَكِبَ فُلَانٌ دَابَّةً لَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ رَكِبَ الْبَقَرَ أَوْ الْفِيلَ وَإِنْ كَانَ يَرْكَبُ فِي بِلَادِ الْهِنْدِ، إلَّا إذَا نَوَى جَمِيعَ ذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ مَدْيُونٍ أَوْ غَيْرِ مَدْيُونٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ، فَأَمَّا إذَا نَوَى وَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَيَحْنَثُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَهُ: أَيْ فِيمَا مَلَكَهُ الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ عَبْدِهِ لَا يُعْتَقُ وَتَلْمَحُ مِمَّا ذَكَرْنَا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي أَظْهَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَنْوِهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمَوْلَى لَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا حَيْثُ يُقَالُ دَابَّةُ عَبْدِ فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ دَابَّةَ فُلَانٍ. وَشَرْعًا قَالَ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ» فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ إذَا نَوَى.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْإِضَافَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لِلسَّيِّدِ إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ لِلسَّيِّدِ عِنْدَهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>