لِقَوْلِهِ ﵊ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهُ، وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ تُعَجَّلُ كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ، وَالتَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ عَارَضَهُ دَلِيلُ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ بِوَاحِدَةٍ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ ﵊ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ» فَإِنَّهُمَا عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ أَثْبَتَ السُّنَّةَ وَهَذَا أَثْبَتَ الِاسْتِحْبَابَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ، بَلْ فِي حَدِيثِ السِّوَاكِ يَنْتَفِي الْأَمْرُ بِمَانِعِ الْمَشَقَّةِ، فَإِذَا انْتَفَى الْأَمْرُ بِهِ وَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ ثَبَتَ مَا دُونَ الْوُجُوبِ وَهُوَ السُّنَّةُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْمُنْتَفِي لِلْمَانِعِ هُوَ التَّأْخِيرُ، وَنَفْسُ التَّأْخِيرِ لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ بَلْ لِلنَّدَبِ وَالِاسْتِحْبَابِ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي التَّأْخِيرِ (قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهُ) وَالسَّمَرُ حَدِيثٌ لِأَجْلِ الْمُؤَانَسَةِ، وَقَالَ ﵊ «لَا سَمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِتَامُ الصَّحِيفَةِ بِالْعِبَادَةِ كَمَا جُعِلَ ابْتِدَاءُ الصَّحِيفَةِ بِهَا لِيُمْحَى مَا حَصَلَ بَيْنَهُمَا مِنْ الزَّلَّاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ تُعَجَّلُ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ شِتَاءً وَصَيْفًا. وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ تُعَجَّلُ (كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ وَالتَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ) يَعْنِي فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِي الشِّتَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ فِي الصَّيْفِ مَكْرُوهًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ عَارَضَهُ دَلِيلُ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ بِوَاحِدَةٍ: أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَتَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِيهِمَا، وَإِلَى النِّصْفِ الْأَخِيرِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ السَّمَرُ قَبْلَهُ: أَيْ قَبْلَ النِّصْفِ الْأَخِيرِ: يَعْنِي أَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي آخِرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِمُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ، وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute