للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ وَإِلَى النِّصْفِ الْأَخِيرِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ السَّمَرُ قَبْلَهُ.

(وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوَتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ) لِقَوْلِهِ «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ» (فَإِذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ تَأْخِيرُهَا، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ تَعْجِيلُهُمَا) لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَرِ، وَفِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَوَهُّمَ الْوُقُوعِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَلَا تَوَهُّمَ فِي الْفَجْرِ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ مَدِيدَةٌ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّأْخِيرُ فِي الْكُلِّ لِلِاحْتِيَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ.

النَّدْبِ أَصْلًا لِانْقِطَاعِ السَّمَرِ مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَلَّا يَكُونَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ سَمَرٌ فَتَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لِبَقَاءِ دَلِيلِهَا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ. وَاعْتُرِضَ بِتَعْجِيلِ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ سَالِمٌ عَنْ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَارِضَ هَاهُنَا مَوْجُودٌ أَيْضًا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ فَإِنَّ الْمُسَارَعَةَ إلَى الْعِبَادَةِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّأْخِيرِ مَعْنَى تَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ فَكَانَ فِيهِ تَعَارُضُ دَلِيلِ النَّدْبِ وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْعِبَادَةِ مَعَ دَلِيلِ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ فَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلَى النِّصْفِ الْأَخِيرِ فَإِنَّ دَلِيلَ كَرَاهَتِهِ سَالِمٌ عَنْ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْعِبَادَةِ وَلَا تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ، وَلَا قَطْعُ السَّمَرِ لِانْقِطَاعِهِ قَبْلَهُ. وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ الصَّلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ. رُوِيَ آخِرَ اللَّيْلِ بِالنَّصْبِ، وَتَقْدِيرُهُ أَنْ يُوتِرَ آخِرَ اللَّيْلِ فَيَكُونُ ظَرْفًا. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ مَفْعُولٌ أُقِيمَ مَقَامَ فَاعِلِ يُسْتَحَبُّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ.

(وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ اللَّيْلِ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَقَوْلُهُ: (فَإِذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ) يَعْنِي هَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ بَيَانِ الِاسْتِحْبَابِ فِيمَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً فَالضَّابِطُ الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ: يَعْنِي كُلَّ مَا فِيهِ عَيْنٌ يُعَجَّلُ كَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَمَا عَدَاهُمَا كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ يُؤَخَّرُ. أَمَّا وَجْهُ تَعْجِيلِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ وَجْهُ تَأْخِيرِ الْفَجْرِ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ مَدِيدَةٌ) يَعْنِي أَنَّ مَا بَيْنَ التَّنْوِيرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مُدَّةٌ مَدِيدَةٌ فَيُؤْمَنُ أَنْ يَقَعَ الْأَدَاءُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فَلِأَنَّهُ لَوْ عُجِّلَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَقَعَ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّأْخِيرَ عَنْهُ فِي الْكُلِّ لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>