قَالَ (الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، وَكَذَا الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الصِّدْقَ فِيهِ مُرَجَّحٌ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِهِ مَضَرَّةٌ وَمَعَرَّةٌ، وَالْوُصُولُ إلَى الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ مُتَعَذِّرٌ، فَيُكْتَفَى بِالظَّاهِرِ.
قَالَ (الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) الزِّنَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، فَالْقَصْرُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْمَدُّ لِأَهْلِ نَجْدٍ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَبَا حَاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفُ زِنَاؤُهُ … وَمَنْ يَشْرَبْ الْخُرْطُومَ يُصْبِحُ مُسْكَرًا
يُخَاطِبُ رَجُلًا يُكَنَّى أَبَا حَاضِرٍ، وَالْخُرْطُومُ الْخَمْرُ، وَالْمُسْكَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ الْمَخْمُورُ. وَتَفْسِيرُهُ فِي الشَّرْعِ قَضَاءُ الْمُكَلَّفِ شَهْوَتَهُ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ الْمِلْكَيْنِ وَشُبْهَتِهِمَا لَا شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ وَتَمْكِينِ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ. وَاخْتِيرَ لَفْظُ الْقَضَاءِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِيلَاجِ زِنًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْغُسْلُ، وَالْمُكَلَّفُ لِيَخْرُجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكَيْنِ مِلْكُ النِّكَاحِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَبِشُبْهَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ مَا إذَا وَطِئَ امْرَأَةً تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَمَا أَشْبَهَهُ. وَبِشُبْهَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ، مَا إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ، وَبِشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ مَا إذَا وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ. وَالزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزِّنَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ يَثْبُتُ بِفِعْلِهِمَا وَيَتَحَقَّقُ فِي الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَا بَيِّنَةَ وَلَا إقْرَارَ، وَإِنَّمَا انْحَصَرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ ثُبُوتُهُ بِعِلْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ وَقَوْلُهُ (مَعَرَّةً وَمَضَرَّةً) الْمَضَرَّةُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute