وَشَرْطُ صِفَةِ الْإِحْصَانِ فِيهِمَا عِنْدَ الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ الْكَافِرَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ أَوْ الصَّبِيَّةِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَوْصُوفًا بِإِحْدَى هَذِهِ الصِّفَاتِ وَهِيَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بِذَلِكَ لَا تَتَكَامَلُ إذْ الطَّبْعُ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْمَجْنُونَةِ، وَقَلَّمَا يَرْغَبُ فِي الصَّبِيَّةِ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهَا فِيهِ وَفِي الْمَمْلُوكَةِ حَذَرًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ. وَأَبُو يُوسُفَ ﵀ يُخَالِفُهُمَا فِي الْكَافِرَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ ﵊ «لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ»
قَالَ (وَلَا يُجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ) لِأَنَّهُ ﵊ لَمْ يَجْمَعْ،
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْإِصَابَةُ شِبَعٌ بِالْحَلَالِ، فَإِنَّ الشِّبَعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِنْزَالِ دُونَ الْإِيلَاجِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ حَيْثُ قَالَ ﷺ «لَا حَتَّى تَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ وَيَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِك» بِالتَّصْغِيرِ.
وَقَوْلُهُ (وَشَرْطُ صِفَةِ الْإِحْصَانِ فِيهِمَا) ظَاهِرٌ. وَقِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَافِرًا وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِالْإِبَاءِ عِنْدَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ فَهُمَا زَوْجَانِ وَقَدْ مَرَّ (وَأَبُو يُوسُفَ يُخَالِفُهُمَا فِي الْكَافِرَةِ) فِي أَنَّ إسْلَامَ الْمَنْكُوحَةِ وَقْتُ الدُّخُولِ بِهَا شَرْطُ إحْصَانِ الزَّانِي. فَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ الْكَافِرَةِ يَصِيرُ مُحْصَنًا (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَبِي يُوسُفَ (مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَا ائْتِلَافَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ. وَقَوْلُهُ (وَقَوْلُهُ ﵊) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ " «لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ وَلَا الْحُرَّةُ الْعَبْدَ» ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مُرْسَلًا فِي مَبْسُوطِهِ.
قَالَ (وَلَا يَجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ ﵁ أَنَّهُ ﷺ قَالَ «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ» وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي مَاعِزٍ وَلَا فِي الْغَامِدِيَّةِ وَلَا الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ. وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ وَحَدِيثُ مَاعِزٍ بَعْدَهُ فَيَكُونُ نَاسِخًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute