وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى عَنْ الْمَقْصُودِ مَعَ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ زَجْرَ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالرَّجْمِ إذْ هُوَ فِي الْعُقُوبَةِ أَقْصَاهَا وَزَجْرُهُ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ هَلَاكِهِ.
قَالَ (وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ) وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا لِقَوْلِهِ ﵊ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ بَابِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَاجْلِدُوا﴾ جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجَبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ،
وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَدًّا) أَيْ فِي حَدِّ الزِّنَا بِنَفْيِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا (لِقَوْلِهِ ﷺ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ») وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ، فَكَمَا أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ فِي حَقِّ الْجَلْدِ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ التَّغْرِيبِ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي التَّغْرِيبِ (حَسْمَ مَادَّةِ الزِّنَا لِقِلَّةِ الْمَعَارِفِ) أَيْ لِقِلَّةِ مَنْ يَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَهُ مِنْ الْأَحِبَّاءِ وَالْحَبِيبَاتِ، لِمَا أَنَّ الزِّنَا إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ وَالتَّغْرِيبُ قَاطِعٌ لِذَلِكَ (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَاجْلِدُوا﴾ جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ) وَرُجُوعًا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ، وَإِذَا ذُكِرَ الْجَزَاءُ بَعْدَ الشَّرْطِ بِالْفَاءِ دَلَّ اسْتِقْرَاءُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ هُوَ الْجَزَاءُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَيْسَ جَزَاءُ الشَّرْطِ إلَّا مَا هُوَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْفَاءِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ) أَيْ رُجُوعًا إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الْجَلْدَ دُونَ النَّفْيِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ، فَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَزِمَ الْإِخْلَالُ فِي الْبَيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute