وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ فَتْحَ بَابِ الزِّنَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرَةِ ثُمَّ فِيهِ قَطْعُ مَوَادِّ الْبَقَاءِ، فَرُبَّمَا تَتَّخِذُ زِنَاهَا مَكْسَبَةً وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ وُجُوهِ الزِّنَا، وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُرَجَّحَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةٌ، وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ،
وَالْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ نَسْخٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِيهِ) أَيْ فِي التَّغْرِيبِ (قَطْعَ مَادَّةِ الْبَقَاءِ) يَعْنِي مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ (فَرُبَّمَا تَتَّخِذُ زِنَاهَا مَكْسَبَةً وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ وُجُوهِ الزِّنَا) لَا زِيَادَةَ شَهْوَةٍ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُرَجِّحَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ) نُقِلَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا؛ فَوَجْهُ الْفَتْحِ أَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ مِنْ الْعِلَّةِ أَقْوَى مِنْ عِلَّةِ الْخَصْمِ بِشَهَادَةِ قَوْلِ عَلِيٍّ لِصِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ.
وَوَجْهُ الْكَسْرِ أَنَّ الْخَصْمَ يُنْكِرُ صِحَّةَ نَقْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْجِهَةُ مِنْ جِهَاتِ الْعِلَلِ تُؤَيِّدُ صِحَّةَ قَوْلِ عَلِيٍّ، فَكَانَتْ اللَّامُ لِلصِّلَةِ دَاخِلَةً عَلَى الْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا وَهَذِهِ الْجِهَةُ عِلَّةٌ فَكَيْفَ صَلَحَتْ مُرَجِّحَةً.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ لَيْسَتْ بِمُثْبِتَةٍ لِلْحَدِّ بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ، مَعَ أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَاجِبٍ فِي الْحَدِّ فَيَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ، فَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ تُذْكَرُ الْعِلَلُ مُوَضِّحًا بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمَا أَرَى اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ لَفْظَ الْجِهَةِ عَلَى لَفْظِ الْعِلَّةِ إلَّا لِهَذَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَالْحَدِيثُ) يَعْنِي قَوْلَهُ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» (مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute