وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِيهِ أَنَّ فِعْلَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ زِنًا لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا وَالتَّمْكِينُ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَا يُخَاطَبَانِ، وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا زَنَى الْمُكْرَهُ بِالْمُطَاوِعَةِ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لَا تُحَدُّ.
الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يَسْتَلْزِمُهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِعْلَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ زِنًا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا) وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ بِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِوُجُوبِ تَبْلِيغِهِ مَأْمَنَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْهُ زِنًا لِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا﴾ فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ وَهُوَ تَبْلِيغُهُ مَأْمَنَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْحُرُمَاتِ تَرْكُ الِامْتِثَالِ بِالْأَوَامِرِ وَالِانْتِهَاءِ عَنْ النَّوَاهِي، فَإِنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْعِبَادَاتِ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ تَضْعِيفًا لِلْعَذَابِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِكَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ كُلِّهَا بِالْعِبَادَاتِ وَالْحُرُمَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَمَشَايِخُ دِيَارِنَا يَقُولُونَ: إنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِأَدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ مِنْ الْعِبَادَاتِ.
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) جَوَابٌ عَنْ مُسْتَشْهَدِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ الْأَصْلِ يُوجِبُ السُّقُوطَ مِنْ التَّبَعِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَظِيرَ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُخَاطَبَانِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُمَا زِنًا، وَالتَّمْكِينُ مِنْ غَيْرِ الزِّنَا لَيْسَ بِزِنًا فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَالْحَرْبِيُّ مُخَاطَبٌ فَفِعْلُهُ زِنًا، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الزِّنَا زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا زَنَى الْمُكْرَهُ بِالْمُطَاوِعَةِ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute