وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَاعْتِرَاضُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَهُ، كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ، وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ فَإِنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ كَمَا فِي هِبَةِ الْمَسْرُوقِ لَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا فَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَالِكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.
وَقَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ) أَيْ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ الزِّنَا بِهَا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُحَدُّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَكَانَ رَدُّ الْمُخْتَلَفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ، لَكِنْ الْخِلَافُ فِي الْمُشْتَرَاةِ بَعْدَ الزِّنَا مَذْكُورٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ (وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ قَتْلٍ وَضَمَانَ الْقَتْلِ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ) وَالدَّمُ بِمَا لَا يَمْلِكُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرَّرُ هَكَذَا لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ، وَضَمَانُ الدَّمِ يَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ ضَمَانَ الْقَتْلِ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَكِنْ إنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُمْ فِي هَيْئَةِ الْمَسْرُوقِ لَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ وَتَلَاشَتْ فَلَمْ تَكُنْ قَابِلَةً لِلْمِلْكِ حَالَةَ الضَّمَانِ وَلَا مُسْتَنِدَةً لِأَنَّ الْمُسْتَنِدَ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَعْدُومِ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَوْفَاةُ مَعْدُومَةٌ. قِيلَ فَلْيَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ التَّبَيُّنِ لِئَلَّا يُشْتَرَطَ الْوُجُودُ كَمَا فِي الْحَيْضِ دَرْءًا فِي بَابِ الْحُدُودِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّبَيُّنَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حُكْمٍ مُغَيَّا بِغَايَةٍ يُنْتَظَرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا، فَإِنْ وَصَلَ حُكِمَ بِثُبُوتِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا) جَوَابٌ لِصُورَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَشْهِدَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الزَّانِيَ بِالضَّمَانِ يَمْلِكُ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ لِكَوْنِهَا قَابِلَةً لِلْمِلْكِ إذْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فَتُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أَصْلِ الْجَوَابِ دُونَ التَّنَزُّلِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمِلْكُ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ مُسْتَنِدًا فَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفِي: أَعْنِي الْمَنَافِعَ لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، وَأَمَّا إذَا نَظَرْت إلَى أَصْلِ الْجَوَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْنٍ تُمْلَكُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute