للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ) لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتُهَا إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِصَاصُ وَالْأَمْوَالُ مِنْهَا.

وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ قَالُوا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

بِالنَّظَرِ إلَى التَّنَزُّلِ أَيْضًا بِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِيهِ أَيْضًا لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فَتَكُونُ فِي الْمَنَافِعِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا حَقِيقَةً فَيَكُونُ فِي الْمَنَافِعِ الشُّبْهَةُ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ، لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَى هَذَا أَصْلًا

(وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ) وَفَسَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِالْخَلِيفَةِ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتُهَا إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ) قَالَ «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ» وَعَدَّ مِنْهَا إقَامَةَ الْحُدُودِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا قَذَفَ كَمَا لَوْ زَنَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقَّيْنِ لَا مَحَالَةَ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَا يَلِيقُ بِالْحَرْبِيِّ أَنْ يَكُونَ حَقَّ الْعَبْدِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ، وَمَا يَلِيقُ بِالْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ يَسْتَوْفِيهِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>