(فَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حُدُّوا جَمِيعًا وَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حُدَّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ، كَمَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا جَمِيعًا. وَقَالَ زُفَرُ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ (فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِمَا ذَكَرْنَا
قَاذِفًا لِلْمَيِّتِ فَيُحَدُّ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي لِكَوْنِهِ صَرِيحًا فِيهِ لَكِنْ سُلِبَ عَنْهُ ذَلِكَ إذَا صَارَ شَهَادَةً (وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَقِيَ قَذْفًا) وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: إنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَنْقَلِبُ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ وَهَاهُنَا قَالَ: إنَّهَا قَذْفٌ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ بِالرُّجُوعِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ فِيمَا قَالَ أَصْحَابُنَا مُؤَاخَذَةَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ بِذَنْبِ مَنْ رَجَعَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ لِأَنَّ الْكُلَّ قَذَفَةٌ عِنْدَ عَدَمِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ مُؤَاخَذٌ بِذَنْبِهِ لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ) يَعْنِي بَعْدَ الرَّجْمِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (فَلِمَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ مِنْ قَبْلُ. وَلَنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَنْقَلِبُ قَذْفًا إلَخْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute