(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ رُجِمَ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ؛ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ، وَزُفَرُ يَقُولُ إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ، وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ،
وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ، وَزُفَرُ جَعَلَ الْإِحْصَانَ شَرْطًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِيهِ. وَالثَّانِي أَنَّ شُهُودَ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، لِأَنَّ شُهُودَ الْعِلَّةِ يَضْمَنُونَ عِنْدَ الرُّجُوعِ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الزَّانِيَ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَشَهِدَ ذِمِّيَّانِ أَنَّ مَوْلَاهُ الذِّمِّيَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا يُرْجَمُ مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الذِّمِّيِّ بِالْعِتْقِ مَقْبُولَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هَاهُنَا تَكْمِيلَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهَذَا مِثْلُهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي أَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ) بَعْضُهَا لَيْسَ مِنْ صُنْعِ الْمَرْءِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ، وَبَعْضُهَا فُرِضَ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ، وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالدُّخُولِ بِالْمَنْكُوحَةِ (وَالْحَالُ أَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا) قَبْلَ بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَكُونُ الْكُلُّ مَزْجَرَةً، وَكُلُّ مَا يَكُونُ مَانِعًا عَنْ الزِّنَا لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْعُقُوبَةِ الْغَلِيظَةِ (وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ (فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ) يَعْنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute