فَالشَّافِعِيُّ مَالَ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ، وَنَحْنُ صِرْنَا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مَرْعِيًّا بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ عَكْسُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الشَّرْعِ إلَّا نِيَابَةً عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مِنْهَا الْإِرْثُ، إذْ الْإِرْثُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا فِي حُقُوقِ الشَّرْعِ. وَمِنْهَا الْعَفْوُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ عِنْدَهُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجْرِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَفْوِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ
أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إلَى الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ نَائِبًا فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَاسْتِيفَاؤُهُ إلَيْهِ، وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ السُّقُوطِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ إلَخْ) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ حَقُّ الْعَبْدِ غَالِبًا إذَا اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ أَصْلًا. وَهُوَ خِلَافُ الْأُصُولِ وَالْمَنْقُولِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا اجْتَمَعَا فِيهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يُنَافِي الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ وَشَيْءٌ مِنْ الْحَقَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاؤُهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ خُصُومَةُ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْخُصُومَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ) يُرِيدُ بِهِ صَدْرَ الْإِسْلَامِ أَبَا الْيُسْرِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْمَعْقُولُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute