للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ (وَلَوْ مَاتَ بَعْدَمَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي) عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَقُّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الزَّاجِرِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ، وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ وَبِكُلِّ ذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ

وَقَوْلُهُ (وَبِكُلِّ ذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ) أَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَوْفَى بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَكَذَلِكَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَوْفَى بِخُصُومَةٍ مَا هُوَ حَقُّهُ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ خُصُومَتَهُ هُنَاكَ لِلْمَالِ دُونَ الْحَدِّ، حَتَّى لَوْ بَطَلَ الْحَدُّ لِمَعْنَى الشُّبْهَةِ لَا يَبْطُلُ الْمَالُ، وَيُقَامُ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْمُسْتَأْمَنُ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، حَتَّى أَنَّ رَجُلًا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالْقَذْفُ وَفَقْءُ عَيْنِ رَجُلٍ يُبْدَأُ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، إذَا بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ.

وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>