للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ لِلْأَمِيرِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ، وَاسْتَبْعَدَ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ النَّاسَ سَوَاسِيَةٌ فِي أَمْرِ الْجَمَاعَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ اشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَيْ لَا تَفُوتَهُمْ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَى هَذَا الْقَاضِي وَالْمُفْتِي.

(وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجْلِسُ فِي الْمَغْرِبِ أَيْضًا جَلْسَةً خَفِيفَةً) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ إذْ الْوَصْلُ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَقَعُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ لِوُجُودِهِمَا بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فَيَفْصِلُ بِالْجَلْسَةِ كَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ فَيَكْتَفِي بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا عَنْهُ وَالْمَكَانُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُخْتَلَفٌ، وَكَذَا النَّغْمَةُ فَيَقَعُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُطْبَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَفْصِلُ بِرَكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ

لَمْ يَشْتَرِطُوا عَيْنَ ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ بَلْ ذَكَرُوا مَا تَعَارَفُوهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَيَكُونُ هَذَا إحْدَاثًا بَعْدَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ التَّثْوِيبَ الْأَصْلِيَّ كَانَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ لَا غَيْرُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ، فَأَحْدَثَ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً مَعَ إبْقَاءِ الْأَوَّلِ، وَأَحْدَثَ الْمُتَأَخِّرُونَ التَّثْوِيبَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفُوهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سِوَى الْمَغْرِبِ مَعَ إبْقَاءِ الْأَوَّلِ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ. وَقَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) كَلَامٌ يَتَعَلَّقُ بِالتَّثْوِيبِ الْمُحْدَثِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِزِيَادَةِ اخْتِصَاصٍ بِمَنْ يَكُونُ مُشْتَغِلًا بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَالَ (وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) لَا خِلَافَ أَنَّ وَصْلَ الْأَذَانِ بِالْإِقَامَةِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْأَذَانِ إعْلَامُ النَّاسِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ فَيَحْضُرُوا الْمَسْجِدَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَبِالْوَصْلِ يَنْتَفِي هَذَا الْمَقْصُودُ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا يُتَطَوَّعُ قَبْلَهَا مَسْنُونًا كَانَ أَوْ كَانَتْ مُسْتَحَبًّا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِالصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ قَالَهُ ثَلَاثًا، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمَغْرِبِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِ أَيْضًا لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ قَائِمًا مِقْدَارَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: مِقْدَارَ مَا يَخْطُوا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ ثُمَّ يُقِيمُ عِنْدَهُمَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ مِقْدَارَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَالْوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.

وَقَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ إنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ، بِخِلَافِ سَائِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>