للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ

(وَلِلْمُسْتَوْدَعِ وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَقْطَعُوا السَّارِقَ مِنْهُمْ) وَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَيْضًا، وَكَذَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ.

وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَوْدَعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ، وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ

كَالزِّنَا، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَقَرَّ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَنْبَنِي عَلَى الدَّعْوَى فِي الْحَالِ، فَمَا لَمْ يَحْضُرْ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ غَابَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ.

وَعِنْدَنَا حُضُورُهُ شَرْطٌ فِي الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ جَمِيعًا عِنْدَ الْأَدَاءِ وَعِنْدَ الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ رَدِّ الْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالْمِلْكِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَبِهِ تَنْتَفِي السَّرِقَةُ، وَكُلُّ مَا هُوَ شَرْطُ الشَّيْءِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ فَكَانَ الْقَطْعُ قَبْلَ حُضُورِهِ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ مَعَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَكَلَامُهُ فِي الْكِتَابِ وَاضِحٌ خَلَا أَنَّ فِيهِ تَوَهُّمَ التَّكْرَارِ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِخُصُومَةٍ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا: أَيْ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ وَهِيَ الْجِنَايَةُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ الْحُضُورِ، وَالثَّانِيَ لِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ قَدْ تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ وَصَاحِبُ الرِّبَا) قِيلَ صُورَتُهُ: رَجُلٌ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَقَبَضَهُ فَسُرِقَ مِنْهُ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَاقِدَ الْآخَرَ مِنْ عَاقِدَيْ الرِّبَا فَكَأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ وَلَا يَدٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ، بِخِلَافِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا بَاقٍ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ) يُرِيدُ مُتَوَلِّيَ الْوَقْفِ وَالْأَبَ وَالْوَصِيَّ، وَلَوْ سَرَقَ سَارِقٌ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ وَخَاصَمَ الْمَالِكُ قُطِعَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّرِقَةُ مِنْ عِنْدِهِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ نُسَخُ الْهِدَايَةِ فِيهِ، فَفِي بَعْضِهَا إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي بَعْضِهَا حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَاسْتَصْوَبَهُ الشَّارِحُونَ نَقْلًا وَعَقْلًا؛ أَمَّا نَقْلًا فَلِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>