(وَإِذَا قُضِيَ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ) مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ (وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا الْمَالِكُ إيَّاهُ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا وَظُهُورًا، وَبِهَذَا الْعَارِضِ لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ فَلَا شُبْهَةَ.
وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالِاسْتِيفَاءِ، إذْ الْقَضَاءُ لِلْإِظْهَارِ وَالْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ،
انْقَطَعَ ظُهُورُهَا وَلَا قَطْعَ بِدُونِ ظُهُورِهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ قُطِعَ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَنْقَطِعْ بَلْ انْتَهَى بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ، وَالشَّيْءُ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ لَا أَنَّهُ يَبْطُلُ كَالنِّكَاحِ يَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ لَا أَنَّهُ يَبْطُلُ، لَكِنَّهَا أَعْنِي الْخُصُومَةَ تُجْعَلُ بَاقِيَةً تَقْدِيرًا لِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ، وَالرَّدُّ إلَى ابْنِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِلَى أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ وَهُمْ فِي عِيَالِهِ وَكَذَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ عَبْدِهِ، وَكَذَا الرَّدُّ إلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِهِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَالرَّدِّ إلَى نَفْسِهِ اسْتِحْسَانًا.
(وَإِذَا قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوَهَبَهُ الْمَالِكُ) وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ (أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ لَمْ يُقْطَعْ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ لِأَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ تَتَّصِلْ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ لَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالُوا: لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا) بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ إذْ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ (وَظُهُورًا) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهَا (وَبِهَذَا الْعَارِضِ) يَعْنِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ بِسَبَبِ الْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ (لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ) لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِهِمَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَقْتِ ثُبُوتِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ، وَهَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَقَرَّ بِهِ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لِلسَّارِقِ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ يَظْهَرُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُقِرِّ لَهُ مِنْ الْمِلْكِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ وَقْتَ وُجُودِ السَّرِقَةِ فَيَكُونُ شُبْهَةً (وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ) يَعْنِي أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ الْقَاضِي حَكَمْت أَوْ قَضَيْت بِالْقَطْعِ أَوْ بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْحَدِّ (فِي هَذَا الْبَابِ) يَعْنِي بَابَ الْحُدُودِ (لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَضَاءِ (بِالِاسْتِيفَاءِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يُغْنِي غِنَاءَهُ: أَيْ لَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ (لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْإِظْهَارِ) وَلَا إظْهَار هَاهُنَا (لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ) فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ الِاسْتِيفَاءُ قَضَاءً فِي هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute