وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
قَالَ (وَكَذَا إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ النِّصَابِ) يَعْنِي قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ. وَلَنَا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ النُّقْصَانِ
الْبَابِ لَعَرَى عَنْ الْفَائِدَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ بَاطِلٌ. بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهَا يُفِيدُ إظْهَارَ الْحَقِّ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ الْإِمْضَاءِ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا فِقْهُ تَفْوِيضِ اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ إلَى الْأَئِمَّةِ دُونَ سَائِرِ الْحُقُوقِ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) أَيْ إذَا كَانَ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ (يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ) كَمَا يُشْتَرَطُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الْقَاضِي الْقَضَاءَ وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَكُونُ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ يُرَاعَى وُجُودُهُ إلَى وَقْتِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ بِدَلِيلِ الْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالرِّدَّةِ وَالْفِسْقِ فِي الشُّهُودِ، فَإِنَّ الْحُدُودَ لَا تُسْتَوْفَى إذَا كَانَتْ الشُّهُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ (وَقَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ) يَعْنِي صَارَ الْمِلْكُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمِلْكِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْضِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: جَعَلْتُمْ الْخُصُومَةَ بَاقِيَةً تَقْدِيرًا فِي صُورَةِ رَدِّ الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيفَاءُ ثَمَّةَ مِنْ الْقَضَاءِ حَتَّى أَوْجَبْتُمْ الْقَطْعَ، وَهَاهُنَا جَعَلْتُمْ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحَدِّ وَجَعَلْتُمْ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ دَافِعًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَمَا ذَلِكَ إلَّا تَنَاقُضٌ صِرْفٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ مُطْلَقًا، لَكِنْ فِي صُورَةِ الرَّدِّ لَمْ يَحْصُلْ بِالرَّدِّ سَرَى الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، وَهَاهُنَا حَدَثَ بَيْنَهُمَا تَصَرُّفٌ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَكَانَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ.
(وَكَذَلِكَ إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ النِّصَابِ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَوَهَبْت لَهُ. وَقَوْلُهُ (يَعْنِي قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ) بَيَانٌ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ.
وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ) يَعْنِي بِأَنْ هَلَكَ دِرْهَمٌ مِنْ الْعَشَرَةِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ السَّرِقَةِ وَيَوْمَ الْقَطْعِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَطْعِ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَمْنَعْ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارًا بِالْأَوَّلِ بِجَامِعِ وُجُودِ سَرِقَةِ النِّصَابِ فِيهِمَا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ (أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا) فِي الِابْتِدَاءِ (يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النُّقْصَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute