«لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي، وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَبْقَى مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ لَكَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ
«لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ») لَا يُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً لَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى غُرْمًا. وَقَوْلُهُ (وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ) إنَّمَا كَانَ مَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ هُوَ الْمُنْتَفِي لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْإِجْمَاعِ.
وَقَوْلُهُ (إذْ لَوْ بَقِيَ) يَعْنِي مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ (لَكَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ عَرَفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ مَا هُوَ حَرَامٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَهُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ وَكَانَ الْمَالُ لِلسَّارِقِ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ) إذْ الشُّبْهَةُ هُوَ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَحِينَئِذٍ يُدْرَأُ بِالْحَدِيثِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ يَصِيرُ مُحَرَّمًا (حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ) وَهَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا صَارَتْ الْمَالِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ فَالْتُحِقَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَا مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَتَمَامُهُ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَكَانَ حُكْمُ الْأَخْذِ مُرَاعًى إنْ اسْتَوْفَى بِهِ الْقَطْعَ يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْعَبْدِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ تَبَيَّنَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ كَانَ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute