للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرِ السَّرِقَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الشُّبْهَةُ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ، وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ.

وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ الْعِصْمَةُ لَمَّا انْتَقَلَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَصَارَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ. وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَ الضَّمَانِ فِيهِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ سُقُوطَ الْعِصْمَةِ إنَّمَا كَانَ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْقَطْعِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّهَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى فِعْلٍ آخَرَ هُوَ الِاسْتِهْلَاكُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَطْعَ وَلَا مِنْ لَوَازِمِهِ (وَكَذَا الشُّبْهَةُ) وَهُوَ كَوْنُهُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ (تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ) وَهُوَ السَّرِقَةُ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِجَعْلِ السَّبَبِ فِي الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ غَيْرَ مُوجِبٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَالِاسْتِهْلَاكُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الشُّبْهَةُ (وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ) وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الِاسْتِهْلَاكِ كَمَا فِي الْهَلَاكِ (أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ) بِالسَّبَبِ وَهُوَ السَّرِقَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَرَقَ لِيَصْرِفَهُ إلَى بَعْضِ حَوَائِجِهِ فَكَانَ تَتِمَّةً لِلسَّبَبِ لَا أَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ (فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ) لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ كَاعْتِبَارِهَا فِي نَفْسِ السَّبَبِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ لِأَنَّ سُقُوطَ الْعِصْمَةِ فِي فَصْلِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ فِي فَصْلِ الْهَلَاكِ. وَأَقُولُ: مَعْنَاهُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ سُقُوطِهَا فِي الْهَلَاكِ وَالْمَلْزُومُ ثَابِتٌ فَاللَّازِمُ كَذَلِكَ، وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَتْ الْعِصْمَةُ بَاقِيَةً فِي الِاسْتِهْلَاكِ مُوجِبَةً وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَوْجِبُ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونِ بِهِ بِالنَّصِّ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِهِ مَالٌ مَعْصُومٌ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، حَتَّى لَوْ غَصَبَهُ أَحَدٌ ضَمِنَهُ هَلَكَ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَ، وَالْمَضْمُونُ وَهُوَ الْمَسْرُوقُ مَعْصُومٌ فِي الِاسْتِهْلَاكِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ دُونَ الْهَلَاكِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَعْصُومِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَالْمَعْصُومِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ لِأَنَّهُ أَيْ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>