قَالَ (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا، وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَقَالَا: يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ لِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا. لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ. وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ فَلَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبَيْنِ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً. وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا اسْتَوْفَى فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ
ضَرُورَاتِ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ: يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ سُقُوطُ الضَّمَانِ. وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَسْرُوقِ وَضَمَانِهِ فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ سَاقِطُ الْعِصْمَةِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ حَقًّا لِلشَّرْعِ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ. وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ السَّارِقِ مَالٌ مَعْصُومٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ لِعَيْنِهِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ لِانْتِفَاءِ الْمُعَادَلَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُسَاعِدُهُ فَتَأَمَّلْ.
قَالَ (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ بِجَمِيعِهَا) كَلَامُهُ وَاضِحٍ (وَقَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ) تَقْرِيرُهُ الْحَاضِرُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ، وَمَنْ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ لَيْسَ لَهُ الْخُصُومَةُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهَا شَرْطُ ظُهُورِ السَّرِقَةِ فَلَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبِينَ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا بَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً وَالْمَالُ الْمَعْصُومُ مَضْمُونٌ لَا مَحَالَةَ (وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ السَّرِقَاتِ (قَطْعٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ يَجِبُ (حَقًّا لِلَّهِ) وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَدَاخَلُ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ (وَالْخُصُومَةُ شَرْطُ الظُّهُورِ عِنْدَ الْحَاكِمِ) وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُرَاعَى وُجُودُهُ لَا وُجُودُهُ قَصْدًا (فَإِذَا اسْتَوْفَى) يَعْنِي ذَلِكَ الْقَطْعَ الْوَاحِدَ (فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَفْعَهُ) وَهُوَ الِانْزِجَارُ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ. فَإِنْ قِيلَ: الْحُكْمُ الثَّابِتُ ضِمْنًا لَا يَرْبُو عَلَى الثَّابِتِ صَرِيحًا، وَالْقَطْعُ يَتَضَمَّنُ الْبَرَاءَةَ عَنْ ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْوَاحِدُ عَنْ ضَمَانِ الْكُلِّ نَصًّا لَمْ يَبْرَأْ فَكَيْفَ يَبْرَأُ إذَا ثَبَتَ ضِمْنًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشُّرْبِ وَوَقْفِ الْمَنْقُولِ، ثُمَّ هَاهُنَا لَمَّا وَقَعَ الْقَطْعُ فِي حَقِّ الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ تَبِعَهُ مَا هُوَ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ سُقُوطُ الضَّمَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَ الْقَطْعِ بِجَمِيعِ السَّرِقَاتِ بِالْإِجْمَاعِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الضَّمَانِ. فَالْقَوْلُ بِالضَّمَانِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ فَذَلِكَ تَنَاقُضٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute