لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا﴾ الْآيَةَ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَيْهِمْ، فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ
وقَوْله تَعَالَى ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا﴾ أَيْ رُكْبَانًا وَمُشَاةً أَوْ شُبَّانًا وَشُيُوخًا أَوْ مَهَازِيلَ وَسِمَانًا أَوْ صِحَاحًا وَمِرَاضًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا﴾ عَامٌّ فَمَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رَفْعُ الْحَرَجِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَخْرُجُ مَعَ تَخَلُّفِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ اخْتِصَاصُهُ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْقَاعِدِينَ عَنْ الْجِهَادِ الْحُسْنَى، وَلَوْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ لَاسْتَحَقَّ الْقَاعِدُ الْوَعِيدَ لَا الْوَعْدَ. ثُمَّ الْجِهَادُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عِنْدَ النَّفِيرِ الْعَامِّ عَلَى مَنْ يَقْرَبُ مِنْ الْعَدُوِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ فَلَا يَكُونُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ، إمَّا لِعَجْزِ الْقَرِيبِ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ، وَإِمَّا لِلتَّكَاسُلِ فَحِينَئِذٍ يُفْرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ.
وَقَوْلُهُ (فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ) أَرَادَ بِالْأَوَّلِ قَوْلَهُ ﵀: الْجِهَادُ وَاجِبٌ، إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سِعَةٍ، إذْ الِاسْتِثْنَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute