وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ.
وَقِيلَ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ، وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِيَكُونَ عِدَّةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَهَذَا فِي الْعَقَارِ. أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فِيهِ،
جَمِيعًا (وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ يَصِيرُ قُدْوَةً عَلَى خِلَافِ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْإِجْمَاعِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ ﷺ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ﵊ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ فَعَلَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَدْنَى مَنَازِلِ أَفْعَالِهِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعَمَلَ لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا ظَهَرَ دَلِيلُ الصَّحَابِيِّ جَازَ أَنْ يَعْمَلَ بِخِلَافِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ﵊ فَعَلَ ذَلِكَ وُجُوبًا، فَإِنَّ عُمَرَ ﵁ فَعَلَ مَا فَعَلَ مُسْتَنْبِطًا مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ فَيَكُونُ ثَابِتًا بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهِيَ تُفِيدُ الْقَطْعَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَهُمَا يَتَعَيَّنُ بِفِعْلِ الْإِمَامِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، فَفَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ أَحَدَهُمَا وَعُمَرُ الْآخَرَ (وَقِيلَ) فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ (الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ) كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ ﵁ (لِيَكُونَ عُدَّةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَهَذَا) أَيْ إقْرَارُ أَهْلِ بَلَدٍ عَلَى بَلَدِهِمْ بِالْمَنِّ عَلَيْهِمْ (فِي الْعَقَارِ، أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ فَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِالرَّدِّ) بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ مَجَّانًا وَيُنْعِمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمَنْقُولَ بِالْمُجَرَّدِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِالْمَنْقُولِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْعَقَارِ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ بِقَدْرِ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الْعَمَلُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ) أَيْ بِالْمَنِّ (الشَّرْعُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute