إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ التَّعَرُّضُ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ بِعَارِضِ شَرِّهِ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ وَلَيْسَتْ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ.
(وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ، وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا، وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُوَرِّثَ نَصِيبَهُ وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُقَسَّمْ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِنَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ. وَلَنَا أَنَّ الِاخْتِصَاصَ ضَرُورَةُ الْحَاجَةِ وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ تَصَدَّقُوا بِهِ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَانْتَفَعُوا بِهِ إنْ كَانُوا مَحَاوِيجَ
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّهَا مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لَيْسَتْ لِكَوْنِهَا مَعْصُومَةً. وَإِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّفْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهَا مُكَلَّفَةً لِتَقُومَ بِمَا كُلِّفَتْ بِهِ (وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ) إنَّمَا هِيَ (بِعَارِضِ شَرِّهِ. وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ) فَعَادَتْ إلَى أَصْلِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَعْصُومَةٌ (بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ) فَكَانَ الْمُقْتَضِي مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مُنْتَفِيًا لِأَنَّ الْمَانِعَ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مَعَ الِاحْتِرَامِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي يَدِهِ حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ بِنَائِبَةٍ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَكَانَ فَيْئًا.
قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُقْسَمْ) يَعْنِي الْغَنِيمَةَ. وَقَوْلُهُ (اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ) فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرِينَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا فَهُوَ لَهُمْ، وَلَا يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ إذْ الْغَنِيمَةُ هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَهُوَ مُبَاحٌ سَبَقَتْ أَيْدِيهِمْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ تَصَدَّقُوا بِهِ) أَيْ إذَا جَاءُوا بِمَا فَضَلَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَلَفٍ أَخَذُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ قِسْمَةِ الْإِمَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute