﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ وَهَذَا نَوْعُ تَحْرِيضٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِمَا ذَكَرَ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْكُلِّ، فَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ (وَلَا يُنَفِّلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ. قَالَ (إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمُسِ
قَوْلُهُ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِمَا ذُكِرَ) يَعْنِي التَّنْفِيلَ بِالسَّلْبِ (وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ) نَحْوَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَفَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِ أَبِي جَهْلٍ وَكَانَ عَلَيْهِ فِضَّةٌ» (وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ) لِمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ لِلْعَسْكَرِ جَمِيعًا مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ نَفْلًا بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا خَصَّ الْبَعْضَ بِالتَّنْفِيلِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ، وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْغَنِيمَةِ وَإِبْطَالَ حَقِّ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ: وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمُسِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ فَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْأَصْنَافِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ جَوَازَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُنْفَلَ لَهُ جُعِلَ وَاحِدًا مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ إبْطَالُ حَقِّهِمْ إذْ يَجُوزُ صَرْفُ الْخُمُسِ عَلَى أَحَدِ الْأَصْنَافِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا مُسْتَحِقُّونَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُنْفَلُ لَهُ الَّذِي جُعِلَ وَاحِدًا مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ فَقِيرًا لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْمُحْتَاجِينَ لَا حَقُّ الْأَغْنِيَاءِ فَجَعْلُهُ لِلْغَنِيِّ إبْطَالُ حَقِّ الْمُحْتَاجِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute