وَهَذَا لِأَنَّهُ وَجَبَ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْرِ وَقِلَّتِهِ، فَكَذَا أُجْرَتُهُ هُوَ بَدَلُهُ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ صُلْحًا، وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْحَالِمَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْجِزْيَةُ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ: يَعْنِي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ نُصْرَةً لِلْمُقَاتِلَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِبَذْلِ النَّفْسِ وَالْمَالِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ عَلَيْهِ النُّصْرَةُ لِلدَّارِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لَكِنَّ الْكَافِرَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ لِنُصْرَتِنَا لِمَيْلِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ اعْتِقَادًا قَامَ الْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَصْرُوفُ إلَى الْغُزَاةِ مَقَامَ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ النُّصْرَةُ مِنْ الْمُسْلِمِ تَتَفَاوَتُ إذْ الْفَقِيرُ يَنْصُرُ دَارَنَا رَاجِلًا، وَمُتَوَسِّطُ الْحَالِ يَنْصُرُهَا رَاكِبًا وَرَاجِلًا وَالْمُوسِرُ بِالرُّكُوبِ بِنَفْسِهِ وَإِرْكَابِ غَيْرِهِ. ثُمَّ الْأَصْلُ لَمَّا كَانَ مُتَفَاوِتًا تَفَاوَتَ الْخَرَاجُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. فَإِنْ قِيلَ: النُّصْرَةُ طَاعَةُ اللَّهِ وَهَذِهِ عُقُوبَةٌ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعُقُوبَةُ خَلَفًا عَنْ الطَّاعَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ عَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يُثَابُونَ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ أَمْوَالِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارُوا دَوَابَّهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صُلْحًا) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أُمِرَ بِالْأَخْذِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْجِزْيَةُ لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute