للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ وَلِهَذَا تُسَمَّى جِزْيَةً وَهِيَ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ، وَعُقُوبَةُ الْكُفْرِ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ شَرْعَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا لَا يَكُونُ إلَّا لِدَفْعِ الشَّرِّ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ؛ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَالذِّمِّيُّ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا

وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً إلَخْ) ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ أَلْحَقَ ضَرْبَ الْجِزْيَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِالِاسْتِرْقَاقِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ فَكَيْفَ افْتَرَقَا فِي الْبَقَاءِ حَيْثُ يَبْقَى الْعَبْدُ رَقِيقًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا تَبْقَى الْجِزْيَةُ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي الِابْتِدَاءِ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ لِكُفْرِهِمْ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِوَصْفِ الصَّغَارِ، وَمَا شُرِعَ بِوَصْفٍ لَا يَبْقَى بِدُونِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْإِسْلَامُ يُنَافِي الصَّغَارَ فَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ بِهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِرْقَاقِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ إنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا مِنْ الْعِصْمَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ لِلْآدَمِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خُلِقَ مُتَحَمِّلًا أَعْبَاءَ التَّكَالِيفِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ الطَّارِئَةُ بَدَلًا عَنْهَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلْآدَمِيَّةِ وَلَكِنَّهَا سَقَطَتْ بِالْكُفْرِ، فَالْجِزْيَةُ تُعِيدُهَا عَلَى مَا كَانَتْ فَكَانَتْ بَدَلًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَنْ عِصْمَةٍ فِيمَا مَضَى أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُغْنِي عَنْهَا. وَقَوْلُهُ (وَالذِّمِّيُّ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ السُّكْنَى، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ مَوْضِعَ السُّكْنَى بِالشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ، فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ بِسُكْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُ، فَلَوْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ أُجْرَةً كَانَ وُجُوبُهَا بِالْإِجَارَةِ لَا مَحَالَةَ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>