(وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ (فَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ (وَكَانَ حُرًّا)؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ (وَالْحُرُّ فِي دَعْوَتِهِ اللَّقِيطَ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمُ أَوْلَى مِنْ الذِّمِّيِّ) تَرْجِيحًا لِمَا هُوَ الْأَنْظَرُ فِي حَقِّهِ.
قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ) ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا عَلَى خَصْمٍ مُنْكِرٍ وَلَا خَصْمَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَيْسَ بِوَلِيٍّ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَصْمَ هُوَ الْمُلْتَقِطُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْهُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِحِفْظِهِ فَلَا يَتَوَصَّلُ الْمُدَّعِي إلَى اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ: النَّسَبُ وَهُوَ نَفْعٌ لِلصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الشَّرَفُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَالرِّقُّ وَهُوَ مَضَرَّةٌ فَيَثْبُتُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرَّرَ بِجَعْلِ كَلَامِهِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَطْلُوبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ، وَكُلُّ مَا يَنْفَعُهُ يَثْبُتُ لَهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ حُرٌّ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا يَكُونُ عَبْدًا، وَقَدْ تَلِدُ لَهُ الْأَمَةُ فَيَكُونُ عَبْدًا، وَالظَّاهِرُ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ. قَالَ (وَالْحُرُّ فِي دَعْوَتِهِ اللَّقِيطَ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ) إذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَهُمَا خَارِجَانِ أَوْ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَهُمَا خَارِجَانِ دَعْوَى مُجَرَّدَةً فَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ أَوْلَى مِنْ الذِّمِّيِّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا، حَتَّى لَوْ شَهِدَ لِلْمُسْلِمِ ذِمِّيَّانِ وَلِلذِّمِّيِّ مُسْلِمَانِ كَانَ لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَكَانَ الْمُسْلِمُ أَوْلَى.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ الَّذِي أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْإِسْلَامِ، فَلَوْ ادَّعَى الذِّمِّيُّ صَبِيًّا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَأَقَامَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ قُضِيَ لِلذِّمِّيِّ بِالصَّبِيِّ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ الْعَبْدُ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الذِّمِّيِّ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute