فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا يَشْتَرِيهِ فِي ذِمَّتِهِ إذْ هِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحُ مَا يَضْمَنُ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ، وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ، وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ جَائِزٌ.
وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَلِأَنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا.
مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعُرُوض وَالنُّقُودُ كَمَا لَوْ عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ شَرِكَةٍ فَتَصِحُّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا عَقَدَا الشَّرِكَةَ فِي الْعُرُوضِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا رَأْسَ مَالِهِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَبَاعَ الْآخَرُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الرِّبْحِ الَّذِي حَصَلَ فِي مَبِيعِ أَحَدِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ الَّذِي بَاعَ رَأْسَ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَمْ يُمْلَكْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْعُ، بَلْ يَثْبُتُ وُجُوبُ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ إذْ الْأَثْمَانُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا فِي ذِمَّتِهِمَا كَانَ الثَّمَنُ وَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْهُ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةً فَكَانَ الرِّبْحُ رِبْحَ مَا ضُمِنَ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ (وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ) أَيْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا تَفَاضُلُهُمَا مَعًا فَمُحَالٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ) دَلِيلٌ آخَرُ وَقَدْ قَرَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ عَلَى وَجْهٍ يَجُرُّهُ إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ لِأَنَّ صِحَّةَ الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَكُونُ أَمِينًا، فَإِذَا شُرِطَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ هَذَا رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَهُوَ ضَامِنٌ بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا شُرِطَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ رِبْحَ مَا قَدْ ضُمِنَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute