قَالُوا: هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهَا عَلَى مَا عُرِفَ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا لِأَنَّ ثُمْنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتَصِيرُ سِلْعَةً. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صِحَّةُ الْمُضَارَبَةِ بِهَا.
قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ بِالتِّبْرِ) وَالنُّقْرَةُ فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِمَا، هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) وَمُرَادُهُ التِّبْرُ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا تَصِحُّ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ النُّقْرَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَا بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِيهِمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّهُمَا خُلِقَا ثَمَنَيْنِ فِي الْأَصْلِ،
وَقَوْلُهُ (قَالُوا هَذَا) أَيْ جَوَازُ الشَّرِكَةِ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ (قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَقَيَّدَ (بِأَعْيَانِهَا) لِتَظْهَرَ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ فَلْسَيْنِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْفُلُوسِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ الْمُرَكَّبِ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِوُجُودِ النَّسِيئَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِهَذَا وَلِمَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِأَعْيَانِهِمَا فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُ الْبَحْثِ فِيهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ) يَعْنِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ (أَقْيَسُ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ فَلْسٍ بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِعَيْنِهِمَا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ أَيْضًا فِي عَدَمِ جَوَازِ الشَّرِكَةِ بِالْفُلُوسِ وَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ فِي الْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا كَانَ لِلْفُلُوسِ حُكْمُ الْعُرُوضِ، وَالْعُرُوضُ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهَا: أَيْ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ.
قَالَ (وَلَا تَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ مُخْتَصَرُ الْقُدُورِيِّ ﵀ (قَوْلُهُ تَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ) إشَارَةٌ إلَى (أَنَّ النُّقْرَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِأَيِّهِمَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute