قَالَ (وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ ﵁: ذَكَرَ فَصْلَيْنِ شَرْطَ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ وَجَعْلَ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ الرَّازِيّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ. وَقِيلَ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْفُقَرَاءِ، وَفِيمَا إذَا شَرَطَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْفُقَرَاءِ سَوَاءٌ؛ وَلَوْ وَقَفَ وَشَرَطَ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ مَا دَامُوا أَحْيَاءً، فَإِذَا مَاتُوا فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ كَاشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ. وَقَوْلُهُ (فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ لَوْ شَرَطَ بَعْضَ الْغَلَّةِ أَوْ كُلَّهَا لِنَفْسِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ جَازَ فَلِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَاشْتِرَاطُهُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ هَذَا الشَّرْطِ لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ، فَاشْتِرَاطُهُ لَهُنَّ كَاشْتِرَاطِهِ لِسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَيْضًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ: أَيْ اشْتِرَاطُ صَرْفِ الْغَلَّةِ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ تَغْلِيبًا لِلْمُدَبَّرِينَ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَاشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ صَرْفِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ جَائِزٌ بِدُونِ وَاسِطَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَكَذَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَى نَفْسِهِ انْتِهَاءً بِوَاسِطَةِ اشْتِرَاطِ صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ: أَيْ بِطَرِيقِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَاشْتِرَاطُهُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute