وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مِنْهُ فَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَانِي، أَوْ إلَى وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِنَوْعِ قُرْبَةٍ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ فَصَارَ كَحَصِيرِ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشِهِ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ،
إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ صَارَ مَسْجِدًا.
(قَوْلُهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) إلَى أَنْ قَالَ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَانِي. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَشْتَرِطُ فِي الِابْتِدَاءِ إقَامَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ لِيَصِيرَ مَسْجِدًا فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا وَمُحَمَّدٌ يَشْتَرِطُ فِي الِابْتِدَاءِ إقَامَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لِيَصِيرَ مَسْجِدًا فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِذَا تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا. وَحُكِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَرَّ بِمَزْبَلَةٍ فَقَالَ: هَذَا مَسْجِدُ أَبِي يُوسُفَ، يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقُلْ بِعَوْدِهِ إلَى مِلْكِ الْبَانِي يَصِيرُ مَزْبَلَةً عِنْدَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ، وَمَرَّ أَبُو يُوسُفَ بِإِصْطَبْلٍ فَقَالَ: هَذَا مَسْجِدُ مُحَمَّدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا قَالَ يَعُودُ مِلْكًا فَرُبَّمَا يَجْعَلُهُ الْمَالِكُ إصْطَبْلًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَسْجِدًا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَبْعَدَ مَذْهَبَ صَاحِبِهِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ. اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِلْكُهُ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ وَاسْتُظْهِرَ بِالْكَعْبَةِ، فَإِنَّ فِي زَمَانِ الْفَتْرَةِ قَدْ كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَبَدَةُ الْأَصْنَامِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ مَوْضِعُ الْكَعْبَةِ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لِلطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: عُيِّنَ هَذَا الْجُزْءُ مِنْ مِلْكِهِ مَصْرُوفًا إلَى قُرْبَةٍ بِعَيْنِهَا، فَإِذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ عَادَ إلَى مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ وَارِثِهِ وَصَارَ كَحَشِيشِ الْمَسْجِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute