أَمَّا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَلَا بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ، وَالْأَوَّلُ ذُهُولٌ عَنْهُ وَالثَّانِي يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ دُونَ الْبَيْعِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ يُحَلَّفُ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ لَهُمَا: إنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا يَتَرَتَّبُ التَّحْلِيفُ
لِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ قَدْ يَكُونُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ، وَفِي ذَلِكَ غَفْلَةٌ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَبِهِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا، وَلِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَيَكُونُ غَرَضُ الْبَائِعِ عَدَمَ وُجُودِ الْعَيْبِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، فَفِي وُجُودِهِ فِي أَحَدِهِمَا يَكُونُ بَارًّا لِأَنَّ الْكُلَّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ وَبِهِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي.
وَإِنَّمَا قَالَ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا إشَارَةً إلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْبَائِعِ ذَلِكَ فِي يَمِينِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَكِنَّهُ يُتَوَهَّمُ لِذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي التَّحْلِيفِ وَقَالَ: إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: النَّظَرُ لِلْمُشْتَرِي يَنْعَدِمُ إذَا اسْتَحْلَفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَذَكَرَ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْفِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَا يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ مُنْتَفِيًا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، وَعَلَى هَذَا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ قَالَ (أَمَّا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ) وَعَلَّلَهُ (بِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ) وَقَالُوا: إنَّمَا قَالَ يُوهِمُ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْوِيلُ صَحِيحًا كَانَ التَّحْلِيفُ بِهِ جَائِزًا. وَهُوَ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا إذَا حُمِلَ النَّفْيُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْوَطِ فَيَسْتَقِيمُ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِبَاقُ فِعْلُ الْغَيْرِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْبَتَاتِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَلِيمًا كَمَا الْتَزَمَهُ.
وَقِيلَ التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا ادَّعَى الَّذِي يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ لِي عِلْمًا بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (لَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ) وَكُلُّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ (يَتَرَتَّبُ) عَلَيْهِ (التَّحْلِيفُ) بِالِاسْتِقْرَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا تَحْلِيفَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مِنْ خَصْمٍ، وَلَا يَصِيرُ الْمُدَّعِي وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute