للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَلَنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِسْقَاطِ

سَمَّى الْعُيُوبَ وَعَدَدَهَا أَوْ لَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَقَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقِفْ أَشَارَ إلَيْهِ أَوْ لَا مَوْجُودًا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ.

وَقَالَ زُفَرُ: إذَا كَانَ مَجْهُولًا صَحَّ الْبَيْعُ وَفَسَدَ الشَّرْطُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) مَا لَمْ يَقُلْ مِنْ عَيْبِ كَذَا وَمِنْ عَيْبِ كَذَا. وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي. وَقَدْ جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: أَرَأَيْت لَوْ بَاعَ جَارِيَةً فِي الْمَأْتِيِّ مِنْهَا عَيْبٌ أَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهَا؟ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ بَعْضَ حَرَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَاعَ عَبْدًا بِرَأْسِ ذَكَرِهِ بَرَصٌ أَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ؟ وَمَا زَالَ حَتَّى أَفْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ مِمَّا صَنَعَ بِهِ.

الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَدْيُونَ عَنْ دَيْنِهِ فَرَدَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَلَنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ بِأَسْقَطْت عَنْك دَيْنِي، وَلِأَنَّهُ يَتِمُّ بِلَا قَبُولٍ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وَالْإِسْقَاطُ لَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ فِيهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا أَبْطَلَتْ التَّمْلِيكَاتِ لِفَوَاتِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْإِسْقَاطِ فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>