وَلَهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْقِنِّ، كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ الْقَبُولُ فِي الْحُرِّ شَرْطًا لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ مَوْقُوفٌ وَقَدْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ فِي عَبْدِ الْغَيْرِ بِإِجَازَتِهِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُدَبَّرِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ فَصْلِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ مَعَ الْقِنِّ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ قَوْلَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ.
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَتْ الصَّفْقَةُ مُتَقَرِّرَةً وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَوْلُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ شَرْطًا لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ هُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْنَى الرِّبَا، وَلَيْسَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا.
وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ إنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ إذَا صَحَّ الْإِيجَابُ فِيهِمَا لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَحَدِّدَةٌ فِي مِثْلِهِ إذَا لَمْ يُكَرَّرْ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ مَنْفَعَةً لِلْبَائِعِ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ يُقَابِلُهُ بَدَلٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يُسَلَّمَ إلَيَّ خَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى فَيُنْتَفَعُ بِفَضْلٍ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الرِّبَا. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْإِيجَابَ إذَا صَحَّ فِيهَا صَحَّ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ جَمِيعًا فَلَا يَكُونُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَثَمَّ جَوَابُ زُفَرَ عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا عَلَى النِّكَاحِ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَقَوْلُهُ أَمَّا الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَأَرَادَ بِهَؤُلَاءِ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَعَبْدَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ فَإِنَّهَا بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ وَالتَّقَوُّمِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَنْفُذُ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْضِيحًا لِقَوْلِهِ مَوْقُوفٌ، فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي عَبْدٍ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى إجَازَتِهِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ عَلَى رِضَاهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْمُدَبَّرِ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute