وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَالثَّانِيَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْعَبْدِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَمَا حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الشَّفِيعِ.
الْمُشْتَرَى وَإِنْ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ حَقُّ الْعَبْدِ فَكَانَ ذَلِكَ تَحَكُّمًا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ ضَعِيفٌ يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَفَسَادُ الشِّرَاءِ عُذْرٌ فِي فَسْخِهَا كَمَا يَأْتِي، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَنْ يَفْسَخُهَا. وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَفْسَخُهَا، وَالتَّزْوِيجُ يُشْبِهُ الْإِجَارَةَ لِوُرُودِهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَالْبَيْعُ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالْفَسْخُ كَذَلِكَ، فَتَعَلُّقُ حَقُّ الزَّوْجِ بِالْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ عَلَى الرَّقَبَةِ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ قَائِمٌ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي حُكْمِ عَيْنِ مَا كَانَ لِلْمَوْرُوثِ وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ الْمِلْكُ كَانَ مُسْتَحَقَّ النَّقْضِ فَانْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ كَذَلِكَ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ كَانَ لِوَارِثِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْفَسَادِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى الْمُشْتَرِي بِالْمُشْتَرَى لِشَخْصٍ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فِي ثُبُوتِ مِلْكٍ مُتَجَدِّدٍ لَهُ سَبَبٌ اخْتِيَارِيٌّ لَيْسَ فِي حُكْمِ عَيْنِ مَا كَانَ لِلْمُوصِي وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ إذَا اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ حَلَالٍ صَيْدٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ وَفِيهِ تَقْدِيمُ حَقِّ الشَّرْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ لِإِمْكَانِهِ أَنَّهُ بِالْإِرْسَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَضِيعُ مِلْكُهُ لَا التَّرْجِيحُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَاهِيَّةِ الْفَاسِدِ عِنْدَنَا، وَالْبَيْعُ الثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ إذْ لَا خَلَلَ فِيهِ لَا فِي رُكْنِهِ وَلَا فِي عَوَارِضِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَ الْقَبْضُ بِإِذْنِهِ، فَاسْتِرْدَادُهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَنُوقِضَ بِاسْتِرْدَادِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَإِنَّهُ نَقَضَ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ التَّمَامَ فِيهِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَمْلِكُ الْفَسْخَ فَأَيْنَ التَّمَامُ، فَإِذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ انْتَهَى مِلْكُهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَالْمَنْهِيُّ مُقَرَّرٌ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ فَقَدْ تَمَّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ الِاسْتِرْدَادُ نَقْضًا لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْمُشْتَرِي مَانِعًا عَنْ نَقْضِ التَّصَرُّفِ لَمْ يَنْقُضْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute