للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقَالَا: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ) وَالْغَرْسُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ.

لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ، ثُمَّ أَضْعَفُ الْحَقَّيْنِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى، وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِبَةِ الْمُشْتَرِي وَبَيْعِهِ فَكَذَا بِبِنَائِهِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ) وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَرْضًا وَغَرَسَ فِيهَا. وَذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا هُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ آخِرًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ (لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ) أَوْ الرِّضَا (وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ) وَلَا يُورَثُ (بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ) فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا مَاتَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ الِاسْتِرْدَادُ، وَالْأَضْعَفُ إذَا لَمْ يَبْطُلْ بِشَيْءٍ فَالْأَقْوَى لَا يَبْطُلُ بِهِ وَهُوَ بَدِيهِيٌّ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ لَا يُبْطِلُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ فَحَقُّ الْبَائِعِ كَذَلِكَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ (يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ) الْحَاصِلِ مِنْ الْمُشْتَرِي (بِخِلَافِ الشَّفِيعِ إذْ التَّسْلِيطُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ) وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ لَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ قَدْ انْقَطَعَ هَاهُنَا، وَعَلَى هَذَا صَارَ حَقُّ الشَّفِيعِ لِعَدَمِ التَّسْلِيطِ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ لِوُجُودِهِ مِنْهُ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُنَبِّئُك أَنَّ قَوْلَهُ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْحُجَّةِ. قِيلَ: وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ فِيهَا إشَارَةً إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْإِجَارَةِ لَا يُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لَأَنْ يَلْحَقَهُ بِالْبَيْعِ فِي كَوْنِهِ مَنْهِيًّا مُقَرَّرًا لِأَنَّهُ لَمَّا قُصِدَ بِهِ الدَّوَامُ أَشْبَهَ الْبَيْعَ فَكَانَ مَنْهِيًّا لِلْمِلْكِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ بِالْبِنَاءِ لِصَيْرُورَتِهِ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَيَنْقُضُ الشَّفِيعُ بِنَاءَ الْمُشْتَرِي. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ نَقْضُ الْبِنَاءِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَفِيهِ تَقْرِيرُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَجَبَ نَقْضُهُ لِحَقِّ الْبَائِعِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ إعْدَامَ الْفَاسِدِ. وَإِذَا تُؤُمِّلَ مَا ذُكِرَ فَلَيْسَ بِوَارِدٍ، إذْ الْبَائِعُ مُسَلَّطٌ دُونَ الشَّفِيعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْضِهِ لِمَنْ لَيْسَ بِمُسَلَّطٍ نَقْضُهُ لِمُسَلَّطٍ فَانْتَفَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ وَبَطَلَتْ الْمُلَازَمَةُ.

وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا نُقِضَ الْبِنَاءُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَجَبَ عَوْدُ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ الْبِنَاءُ، كَمَا إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا بَيْعًا صَحِيحًا وَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِمَا هُوَ فَسْخٌ. وَأُجِيبَ بِوُجُودِ مَانِعٍ آخَرَ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إنَّمَا يَنْتَفِي بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ وَأَنَّهُ مَانِعٌ آخَرُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا وَجَبَ ضَرُورَةَ إبْقَاءِ حَقِّ الشَّفِيعِ فَصَارَ النَّقْضُ مُقْتَضَى صِحَّةِ التَّسْلِيمِ إلَى الشَّفِيعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ الْمُقْتَضِي عَلَى وَجْهٍ يَبْطُلُ بِهِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ التَّسْلِيمُ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>