قَالَ (وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ ﵊: «لَا يَسْتَمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغٍ ثَمَنًا فِي الْمُسَاوَمَةِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا. قَالَ (وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ) وَهَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إلَّا إذَا لَبَّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ فَحَيْثُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالضَّرَرِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ إيقَاعُ رَجُلٍ فِيهِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ خِدَاعٌ وَالْخِدَاعُ قَبِيحٌ جَاوَرَ هَذَا الْبَيْعَ فَكَانَ مَكْرُوهًا، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاغِبَ فِي السِّلْعَةِ إذَا طَلَبَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا فَزَادَ شَخْصٌ لَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ إلَى مَا بَلَغَ تَمَامَ قِيمَتِهَا لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا لِانْتِفَاءِ الْخِدَاعِ (وَنَهَى عَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ ﵊ «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَهُوَ نَفْيٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ فَيُفِيدُ الْمَشْرُوعِيَّةَ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ عَلَى السِّلْعَةِ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي رَضِيَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ الْبَيْعِ حَتَّى دَخَلَ آخَرُ عَلَى سَوْمِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْإِيحَاشِ وَالْإِضْرَارِ وَهُمَا قَبِيحَانِ يَنْفَكَّانِ عَنْ الْبَيْعِ فَكَانَ مَكْرُوهًا إذَا جَنَحَ الْبَائِعُ إلَى الْبَيْعِ بِمَا طَلَبَ بِهِ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَجْنَحْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ. وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ ﵁ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ».
قَالَ: وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ: أَيْ وَنَهَى ﵊ عَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ: أَيْ الْمَجْلُوبِ. وَصُورَتُهُ الْمِصْرِيُّ أُخْبِرَ بِمَجِيءِ قَافِلَةٍ بِمِيرَةٍ فَتَلَقَّاهُمْ وَاشْتَرَى الْجَمِيعَ وَأَدْخَلَهُ الْمِصْرَ لِيَبِيعَهُ عَلَى مَا أَرَادَ فَذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُلَبِّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute