وَلَا يُحْتَمَلُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا مُقْتَضَى الصِّيغَةِ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: إذَا شَرَطَ الْأَكْثَرَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ
قَوْلَهُ أَقَلْتُك الْعَقْدَ فِي هَذَا الْعَبْدِ مَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَ سَابِقَةِ الْعَقْدِ. وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ كَمَا قُلْنَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي حَقَائِقِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بَطَلَا، وَهَاهُنَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِكَوْنِهَا ضِدَّهُ، وَاسْتِعَارَةُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ لِلْآخَرِ لَا تَجُوزُ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِقَالَةُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَلَوْ لَمْ يُحْتَمَلْ الْبَيْعُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، إذْ الثَّابِتُ بِالْمَجَازِ ثَابِتٌ بِقَضِيَّةِ الصِّيغَةِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِيَكُونَ لَفْظُهُمَا عَامِلًا فِي حَقِّهِ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ تَبَدَّلَ ظَاهِرُ مُوجَبِهِ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ دُونَهُمَا لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الضِّدَّيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَتَقْرِيرُهُ بِوَجْهِ الْبَسْطِ أَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ قَصْدًا، وَزَوَالُ الْمِلْكِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَالْإِقَالَةُ وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِبْطَالِهِ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا كَانَ لِصَاحِبِهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْمُبَايَعَةِ، فَاعْتُبِرَ مُوجَبُ الصِّيغَةِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا.
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُدَّعَى أَنْ كَوْنَ الْإِقَالَةِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ لَيْسَ مُقْتَضَى الصِّيغَةِ لِأَنَّ كَوْنَهَا فَسْخًا بِمُقْتَضَاهَا، فَلَوْ كَانَ كَوْنُهَا بَيْعًا كَذَلِكَ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute